السبت، 14 مارس 2015

مقهى شعبي




لوْ تعلَمين كم كان يلزَمُني منَ الوقتِ لِـ أعترِف بالخسآرة، لطالما كنتُ أركض خلف أذيال الأحلام.. حدثَ دائما أنْ أخافتني ألوآنُ الواقع الباهِتَه.. بارِدَة جدّا لوْ تَعلَمين. وَ منذُ عهْدي بِكِ وَ أنا أحتَرِف الهَزيمَة علىَ سبيل كُرسي وَ طاولَة في مقهىَ شعْبي، أنفُث بقايا مـا كنتُه قبْلَكِ.. أطل على الناس منْ ثقبٍ صَغير في قَلْبي. يَركُضون خلْف كلّ ما قد يبدو لهم "فاقع اللون"، غير أن السعادَة لا لونَ لها و لا طعم.. أنا أيضا لم أدرِك هذا الاّ قريبا..قريبا جدّا حينَ جربتُ طعم الحقيقة فَ من يومِها و أنا أتسكعُ بينَ الأقدار حتّى اذا ما لوّحَ لي حُزن ما أسنَدتُ رأسي بِـ تثاقُل الى الخَلف، وَ جعلتُ أنتظِرُ قهوتي أنْ تبرُد..

 في الحَياة، عليكَ أن تسحَق سيجارَتك جيّدا حتى تتأكد من أنّها لم تَعُد صالِحة لتنفُث بِها عُمُرا آخر.. ما دام القَدرُ لآ يترُك لنا المَجال لِ نستزِفَ أنفاسَنا علىَ مَهل.
 بيْن لحظَة و أخرىَ بدت علاماتُ الهَزيمة واضحة أمامي.. لمْ يتبق لي حينَها بد الاّ أن أرمي الوَرقة الأخيرة وَ أغادر..

عندَما رمى بي المقهى الذي اعتدتُ ارتيادَه بما أنّي خسرتُ لعبَة الورق، وَجدتني أمرر أمنيتي الأخيرة لواقع آخر.. أحرىَ أن يكون أكثَر شعبية  من سابقه.. على أنّ الوجوه من حولي لا تبدو كذلك، هُنا كلّ شيء يبدو مُتقلب المزاج حتّى بائعُ الحَلوى الذي يقفُ على مَقرُبة.. انتبَهتُ لِساعتي، كان الوَقتُ يشيرُ للأصيل.. بدا لي ضجيجا مألوفا الى حدّ ما، لطالما كانتْ تصلني أصوات الباعة المتجولين، السيارات و المارّة .. الى مكان نصبتُ فيه عالَمي ما بينَ قهوة بلا سكر، سيجارة وَ مقعد مهترئ يجلسُ قُبالتي.. و لكنّي الآن بتُّ أستشعر ذبذبات هذه الأصوات فيما حاولتُ أنْ أكونَ جُزء منها.. بالكاد أسمعُ وقع أقدامي وسط هذا الزُحام.. بالكاد أشتم رائحة شيء ما مُنبعث من بعيد .. بالكاد أرى ابتسامات تظهر وَ تختفي بنفس السُرعة.. بالكاد أسمعُ أغنية لفيروز يَجرها مذياع على مَضض.

مضى الوَقتُ سريعا فيما أحاولُ استماتة القَشعريرة التّي لازمتني لعمر.. على عكس المقهى الأحلامُ هنا دافئة كثيرا فيما هو الخَريفُ على ما أظن، ما دُمت أشعُر الآن أنّ أمنيتي الأخيرة قد أوشكت على السقوط كما لم تَفعل من قبل..

قُلت لنفسي حينها، لو أنها تسقط الآن.. لأنشأت ألتقِط ابتسامات خائفة من هنا و هناك، و لذهبت أتحرى أغنية فيروز من أي مكان في الحياة قادِم، و لتتبعتُ طقطقة حذائي حيثما أخذتني..

لو أنها تسقط الآن.. سوفَ لنْ أرتاد المقهى مُجددا..

  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق